UA-85459660-1

Ok

En poursuivant votre navigation sur ce site, vous acceptez l'utilisation de cookies. Ces derniers assurent le bon fonctionnement de nos services. En savoir plus.

Chroniques - Page 4

  • ماذا تريد

     

    ماذا تريد؟

    سؤال صغير لكن ما إن تروم جوابا عنه حتى تجد نفسك في تخبط بين جهل بما تريد ووجود إرادات أخرى تريد مكانك وتوهمك أنك أنت الذي تريد. لا أتحدث هنا عن موقع إرادة الإنسان من إرادة خالقه جل شأنه، ذاك ثابت معلوم، كيفه مجهول لأنه وراء طور العقل، وإن وراء العقل أطوارا، ثم الإيمان به واجب. ولا أتحدث عن الاستبداد السياسي الذي يصادر إرادة الانسان ولا عن الموضات التي ترهن إرادة النساء ومن في حكمهن. أتحدث عن القسم الذي يشعر فيه الإنسان أنه مالك لإرادته وقراره.

    تريد شيئا وتتخذ القرار بناء على تلك الإرادة الأولى، ثم تجد نفسك كأنك تدحرجت بين ألوان طيف، من الداكن إلى نقيضه،- لست أدري لماذا ارتبط الداكن في ذهني بالحزم؟- فأذهبت الحزم والجزم الأولين؛ ألوان طيف هي انشطار إرادتك الأولى إلى إرادات صغيرة تتوزعك، وحينما تريد أن تجمع شتاتها من جديد كيما توقف الإرادة الأولى على قدميها، تجد نفسك أمام إرادة أخرى، أمام "مصنوع إرادتي" آخر، كمن فكك آلة، قطعة، قطعة، ثم شرع يركبها من جديد، حتى إذا فرغ وجد نفسه أمام آلة أخرى لا تشبه الأولى إلا متفرقة غير مجتمعة -هذه عادة المغاربة مع الآلة- صار مخترعا في غياب إرادته ونيته، مستسلما لمخترَعه و منقادا إليه. تريد أن تنسى شيئا لتبدأ حياة جديدة في يأس حلو من ذلك الشيء، واليأس باب من أبواب الحرية، - اليأس مما في أيدي الناس وليس مما في يد الخالق، ذاك لا غنى عنه - تحزم تفكيرك وتركزه على شيء آخر، تتموج على سطح ذلك الشيء أطياف تتدحرج على سُلمها، تجد نفسك في قاسم مشترك بينه وبين ما كنت تريد جاهدا وقررت عازما نسيانه وها أنت من جديد في شباكه، تعجبك البينية، -بين بين،- لأن الانسان بطبيعته لا يحسم الغموض إلا تحت خوف مزعج أو شوق مقلق، ثم تسلمك البينية إلى وضعيتك القبلية، وها أنت بمكر من إرادتك أو غفلة أو سخرية، نقضت إرادتك الأولى الحازمة.

    هل يكمن الخلل في أنك لم تحدد قبلُ إرادتك الكبرى في هذا الوجود كي تندرج تحتها بسهولة إراداتك الصغيرة فتنْظِمَها وتصففها تصفيفا يجعلك لا تتيه ولا تضل طريقك في كل لحظة؟ ماذا تريد إذن سؤال كبير يتطلب جوابا كبيرا، ليس بالسهولة التي تتبادر أول وهلة. ماذا تريد؟ جوابه معقد فرس نفسك، ومنطلق فكرك وحركتك. هل طرحته أصلا على نفسك...ماذا تريد؟ ما أداة استفهام عادة لغير العاقل، ذا اسم إشارة للقريب...هل ما تريده من قبيل "القريب" و "غير العاقل" والعقل الضبط والربط؟ أم الأصح أن تقول ما الذي تريده؟ السؤال بهذه الصيغة يوحي أنك بدأت في تحديد ما تريده والإشكال فقط في الاختيار...هل تريد أصلا شيئا؟ ما هو؟ ما هو أكبر همك؟ هل ستجعل منه إرادتك لأنه فقط هم كبير، كطفل صغير يحب من الأشياء ما كبر حجمه ليباهي به، أم ستختار همك بحرية وتجعله عاليا يرتقي بك ويرقيك؟ ماذا تريد؟ ماذا تريد؟...

    من وحي لحظة حيرة، و"من عظمت حيرته، عظمت معرفته - ابن عربي الحاتمي."