UA-85459660-1

Ok

En poursuivant votre navigation sur ce site, vous acceptez l'utilisation de cookies. Ces derniers assurent le bon fonctionnement de nos services. En savoir plus.

Chroniques - Page 2

  • أنا والسائق

     

     

     

    transport-VIPl.jpg

     

     

    ...

    أعجبني كثيرا منظر الشيافر (الساقة) وهم يَغُطّون في نومهم المغناطيسي العميق. جلستُ أتأملهم وهم في وداعة قصوى. لم يكونوا هم هم كما عند السياقة. وقفت على رأس أحدهم، فتذكرت شيئا وقع لي معه يجعلني لا آسف على حذف ناقلات المستخدمين.

    كنت أشتغل أعالي الليل لمدة غير يسيرة. وذات ليلة من ليالي الشتاء الباردة أتاني ذلك الشيء-يفور (مفرد شيافر) المُمَغنطُ الآن أمامي إلى البيت لينقلني إلى مقر العمل-عبادة، كما يقال، بالسيارة. ركبت الناقلة، وانطلقنا. كانت السيارة تضج بالموسيقى الشعبية الشعبوية ومن يستطيع أن يقول للقاضي رأسك حاسر. حينما انتصفت الطريق قال لي:

    "- إنني سأمر إلى بيت الرايس لآخذ مراسلة يجب أن تصل الآن إلى المعنيين بها كذا كذا إلخ...."

    قلت له: "- الله يا ودي، واش حنا نقولو شي حاجة إذا الأمر كيتعلق بالرايس..."

    كانت الليلة من أبرد الليالي الشتوية، لم تكن مطيرة ولكن كان الرباط ملفوفا في ضباب كثيف وبارد كالضريح (الضريح في اللغة هو القبر وليس البناء)...عندما صرنا على بعد ثلاث مائة متر من إقامة الرايس، توقف الشيء-يفور وفاجأني بقوله:

    "- هل يمكنك أن تنزل وتنتظرني هنا؟ لأن – والعُهْدة على الشيفور في روايته- الرايس لا يحب أن يتعرف أحد من البيرصونيل منزلَه"

    قلت له:"- وهل يصح أن أنزل في هذا الضباب الكثيف كي لا يتأذى الرايس من رؤيتي؟ ثم أنا على يقين أنه لو علم الرايس بما تقول، لجبذ لك أذنك وقال لك لماذا لم تأتني قبل أن تذهب إلى السؤرس (CRC) المحترم المبجل؟" فبدأ الشيفور يتحدث عن رزق الوليدات ، وليزانستريكسيون ديال الرايس، ناري، ميمتي...فلم أجد بدا من أن أنزل.

    وقفت قرب شجرة هناك في الحي الراقي أنظر في الضباب ولا أبصر، كجنين في مشيمة. صَيَّرَني الشيء-يفور شخصية من شخصيات شارلز ديكنز البئيسة في أحد شوارع لندن في القرن التاسع عشر الأوربي، قرن الثورة الصناعية والقهرة وبائعة الكبريت. أخذتني تلك اللحظة نوبة من الوعي الحاد بكينونتي كنتيجة لمعادلة فريدة من نوعها (أنا + شيء-يفور غير عادي × مكان غير عادي ÷ زمان غير عادي = سؤرس (CRC) في أبهى مظاهر سأرسته ) من منكم يعرف مثل هذه الحالة؟ تنتابك في الظروف الحرجة فقط، تُصبح واعيا إلى أقصى حدودٍ بوجودك، تـنْجمع على نفسك، تنكمش في زاوية صغيرة من زواياها كما تـنجمع أشعة الضوء من خلال البلورة فتخرج حارقة خارقة...كانت لحظة وعي حارق خارق رغم الضباب...تساءلت:" دابا زعما الرايس قال هاذ القضية؟ وايلي، زعما أنا إذا عرفت دار الرايس، غادي فالصباح نمشي عندو...داق، داق..." شكون؟ كاين السي الرايس، خرج، خرج عندي ندَّاكْرُو شي شويا؟" واش هاد الشيء-يفور في كامل قواه العقلية؟"

    حين وصل التساؤل إلى الحالة العقلية للشيء-ءفور زاد ذعري، لأنني قبل وبعد كل شيء كنت راكبا مع شخص غريب، الشيء-يفور ليس أخي، ولا صهري، بيننا لاَبَاس، بخير...ولكنها ليست كافية لتتوطد بيننا الثقة، وعلاوة على ذلك ها هو قد وضعني هنا في الظلام والضباب وانصرف... هل سيعود ؟ أليس ما وقع مقلبا ماكرا؟ يا ليتها كانت مقلبا، ربما لم أكن لأحس حينها بهواني على الناس.

    كان قرص القمر يبدو ساطعا رغم الضباب، وحوله هالة نور بيضاء تتسع حسب انقسام الضوء على حبيبات الرطوبة. شَغَّلْتُ الشاعرية كي لا أستوحش...تذكرت بيتا لأبي فراس الحمداني:

     

    سيذكرني قومي إذا جَد جِدُّهم    وفي الليلة الظلماء يُفْتقد البدرُ

     

    استرسلت أتذكر أبيات الشعر التي تذكر القمر. منهم من يشَبه به محبوبته، ومحبوبتـُه المسطحة عادةً لا ترى في القمر إلا جُلْمُود صخر كبير كروي الشكل يطوف بالأرض ولو ارتطم بها لفجَّرها وفجَّرتْه... ومنهم من يشَبِّه بالقمر نفسَه بسبب الجرح والأسر كأبي فراس هذا الذي كان عصي الدمع شيمتُه الصبر، مشتاقا ولكنْ... مثلَهُ لا يُذاعُ له سِرُّ...ومنهم من يشَبِّه به سلطانا يمدحه من أجل كيس مال يُرْمَى إليه أو حظوة زائلة هي ومَن يمنحها... ومنهم من قال أنه وصل إليه وداس ترابه وترك عفطته ورايته هناك... متى؟ زمنَ الحرب الباردة التي تسابق فيها المعسكران الشرقي والغربي أيُّهما يكذب أكبر كِذبة ويجعلُ رِعاع ودَهماء العالَم يصدقونها... ومنهم من يتسلى به في الليل المضبب، كعبد ربه المذنب، في انتظار عودة شيء-يفور، سلامتـُه العقلية محل تساؤل وغير مصادق عليها من طرف إيزو 9001.

    بعد ردح من الزمن كالأبد، عادت السيارة، فركبت، وأخذ الشيء-يفور يقول لي :" هانت شوف شوف... " وأراني ظرفا كبيرا فيه مراسلة ضخمة يجب أن تصل المطار كي تطير حول العالم ثم يعود جوابها في مثل هذا الوقت إلى الرباط من حيث جاءت...قلت له:" أنا غْدا راني إر سي آخوي (راحة)" خشية أن يعيد علي هذا الحدث، ومن يدري فقد تكون ليلة الغد مطيرة، فتكون ليلتي هاته مقارنة معها كنزهة جميلة في شوارع لندن.

    حينما عدت من الفلاش باك وجدت الشيء-يفور ما زال مُمغنطا على حاله. نظرت إليه متوسدا كرة حمراء قرب الباب، مسكين...تذكرت شرط الصوفية في الشفقة على الخلق...لو كان لدي غطاء لسَجَّيْتُه به لأنه بفعل التنويم المغناطيسي كان كالميت،  وقلت له في نفسي: على بحال هذيك الليلة الليلاء بلاش من الطرونسبور...

     

    ...

     

    رضا

     

  • فنيزويلا ...أحييك

     

     

     

    kaffiyeh.jpg

     

     

    جلست أتابع لقاء على الجزيرة استضاف نيكولاس مادورو وزير خارجية فينيزويلا. الرجل كان جالسا على كرسيه، مرتديا سروالا وقميصا مسبلا على حزامه، تظهر عليهما بساطة الأحرار الصادقين على اختلاف أطيافهم. لا بذلة رسمية ولا ربطة عنق. الرجل كان يتحدث عن أجمل هدية يمكن أن تهديها دولة محترمة ذات إرادة السيادة - وليس فقط سيادة يُقر بها القانون الدولي دون أن يضمنها للكيانات الضعيفة - للمقاومة للفلسطينية، ألا وهي مقاطعة الكيان الغاصب في فلسطين وطرد السفير الصهيوني شر طردة وتقليص التمثيل في دبلوماسي واحد، له مهمات قنصلية حصرا. الرجل كان يترجم عن ضمير الإنسانية المغيب بلغة واضحة بسيطة غابت عن ألسنة الرسميين، لغةٍ تصف الظالم أنه ظالم، والغاصب أنه غاصب، دون اختباء وراء مفاهيم تعوم القيم الإنسانية الجوهرية التي لا تسقط بالتقادم كما يقول أهل القانون. ماذا يمكن أن يفيد شعب فلسطين المنكوب فينيزويلا كي يقال إن وراء مساندتها أربا ومطمعا؟ أحسبها الإنسانية والإنسانية فقط في أرقى وأنبل تجلياتها، زمنَ الامبراطورية التي يقول لسان حالها " من أشد منا قوة، أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة ".

    كم وددت أن يكون تصريح مسؤولينا يعبر ولو بمعشار ما عبر الرجل عنه، ولكن خيار السلام الاستراتيجي، كما عقوا عنه منذ عاصفة الصحراء 1991، انسحب على اللغة والخطاب، فصار المتداول لغة ً مفرداتها معقمة مبسترة و"ماركة مسجلة" كما نجد على علب "البسكتة". لماذا لا يعبر مسؤولونا بمثل هاته اللغة؟ لماذا استعصت المفردات الصريحة الصادقة على ألسنتنا؟ ناهيك عن اتخاذ مثل موقف فينيزويلا الرمزي الكبير؟ أجمل ما قاله معالي الوزير - كما خاطبته صحفية الجزيرة و"جات معاه" كلمة معالي- أنه قال كلاما من أعظم ما سمعت عن مسؤول على غير عقيدة من يقاومون الملأ العالمي الفرعوني القاروني في أرض غزة، وكان حريا أن ينطق بها المسؤولون إخوة العقيدة، قال الرجل :" إن إسرائيل إن أفلتت من العدالة الأرضية التي لن ندخر وسعا في تحريكها وتفعيلها، فلن تفلت من العدالة السماوية التي حاقت تاريخيا بكل من اقترف مثل ما تقترفه الآن" لا فض فوك يا معالي الوزير الفنيزويلي. ذكرني كلامه بكلام مثقف فرنسي من أصل يهودي اسمه جي صورمان، كانت قد استضافته يوما قناة فرنسية حول كتاب صدر له بعنوان " أبناء رفاعة"  - يتحدث عن رفاعة الطهطاوي - وفي خلال حديثه مع الضيوف الآخرين الذين كان معظمهم فرنسيين يهود متصهينين، قال " إن دولة إسرائيل ستزول كما زالت مملكة أورشليم الصليبية، لأنها فرضت نفسها بالحديد والدم ولم تندمج في الجوار المعادي بسبب الثارات والدماء التي تقف حاجزا نفسيا أمام أي تعايش " فثارت ثائرة أحد الحاضرين وقال له " إن دولة إسرائيل ستستمر بإرادة وضمانة المجتمع الدولي" فما كان من جي صورمان إلا أن قال له في هدوء: هناك إرادة المجتمع الدولي، وهناك إرادة الرب، والتاريخ بيننا

    في خضم هذا الحوار مع الوزير الفينيزويلي وما جر من ذكريات مماثلة، رن هاتفي منبئا عن وصول رسالة قصيرة. فتحتها لأجد مكتوبا " بدأ التسجيل في اللوائح الانتخابية ..." فحضرتني للتو، ذكرى من الصبا. كانت صورةَ رجل بسيط من جوارنا، كان يردد جزعا أن قد قيل له: "من لم يسجل نفسه أو لم يُدْل بصوته فسيُحرم من تسلم شهادة السكنى أو نسخة عقد ازدياد أو أي وثيقة أخرى، أحوجَ ما يكون إليهما" وهب الرجل ليسجل نفسه على هذا الأساس... لا غير. هل أرسل لهم جوابا أقول لهم فيه تابعوا، تابعوا الآن قناة الجزيرة" كما نتراسل بيننا حين نريد أحد الأصدقاء أو الأقرباء أن يتابع برنامجا مهما؟ ليت ذلك كان ممكنا ولكن ...

    طردت عني هذه الذكرى الرديئة وعدت أتابع نيكولاس مادورو على الجزيرة

     

     

     

  • بعد المسيرة 2

     

     وقفة مسجدية من أجل غزة.JPG

     

    لكن " جرين-دايزر" ليس حلا في الحقيقة. فبقطع النظر عن كونه حلمَ أطفال، أو مَن تبقت فيه أثارة مِن طفولة، فهُوَ غَيرُ جَار على سُنة الله في كَوْنِه، وهو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام وما مسه من لغوب، ولا يحقق حكمته وراء ما يجري. ما يجري في أرض فلسطين آية ومعجزة من صنع الله وتدبيره الجميل لهذه الأمة. آية من آيات النبوة، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم خاطبنا أنه لن تقوم الساعة حتى نقاتل اليهود، فيفضحهم الحجر والشجر. وحق للشجر أن يفضحهم وهم الذي اقتلعوا الآلاف من زيتونات فلسطين. زيتونات هي رمز فلسطين في سورة التين كما حكى بعض المفسرين. وقصفوا الحجر ورضوه رَضًّا بقنابل تزن الأطنان كي يقتلوا شرفاء الإنسانية وليس فقط شرفاء أمتنا. ثم معجزة لأن شريطا صغيرا دقيقا اسمه غزة، كثافته السكانية تفوق جميع بقاع الأرض بفعل التهجير والتشريد واللجوء، شريطا صغيرا يصمد أمام جيشهم الذي تعودت أن تنكسر أمامه الجيوش الرسمية في ستة أيام بل ست ساعات، على افتراض أنها قاتلته أصلا. معجزة وأسطورة فسرت لي سر استعمالنا في دارجتنا لعبارة " غزة فيك."  إنها عبارة لم تأت عبثا، بل ربما يكون من وضعها أول مرة، كأنما نطقها للمستقبل وليس لحاضره. "غزة فيكم وعليكم" يا معشر الصهاينة ومن تواطأ معكم. "غزة فيكم وعليكم" ستحرر العالم بمقاومتها الموجبة التي تتجلى في تلقينها جنود الجماعة الوظيفية اليهودية الخادمة لمصالح الغرب المتحضر جدا، درسا في الاستبسال والفتوة والإرادة لا يضاهى. "والفتى من يكسر الصنم" كما يقول الصوفية. ثم بمقاومتها السالبة، بما مكنت العالم أن يرى ويسمع فظاعات القتل وتمزيق الأجساد وتمزيعها أمام عدسات الكاميرات صباح مساء. أي محرقة أفظع من هاته؟ محرقة على الهواء مباشرة، على مدار الساعة، وليس في أشرطة سينمائية عتيقة أظهروها بعد سقوط النازية في ألمانيا بعد سنوات عديدة، تتكلم عن رقم هولوكوست لم يفتأوا يراجعونه منذ ذلك الحين كما يحكي رجاء جارودي في كتابه  الذي حورب وعودي من أجله "الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية"

    ما يجري في غزة كان يجب أن يقع. لأنه يفضح أن في الإنسانية من هو مستعد للقتل والذبح والعلو في الأرض علوا مفسدا عاتيا جبارا عنيدا مبيرا مبيدا لمن لا يسجد له. وعلى الإنسانية أن تتحصن منه وضده وأن تحذره بل تقضي عليه وتقمعه. ولن تستطيع الانسانية في وضعها الحالي كما صاغها الغرب الفرداني، الذي جعل من الإنسان وحدة اقتصادية لا غير، من الصباح إلى المساء في كدح من أجل المال والجاه " ولا كاريير"، لا تستطيع هذه الإنسانية أن تقاوم وتقضي على هذا النموذج الفاتك إلا بقيادة قوية صالحة أمينة. وها هي تلك القيادة الآن تتبلور في فلسطين وأرض المسلمين عموما، فأي شرف وتشريف إلهي هذا وأي اصطفاء من الله عز وجل، لم يكن ليحصل لو أن الصهاينة وافقوا على إقامة دولتهم في مناطق أخرى من العالم، كما كان مطروحا في بداية المشروع الصهيوني. فرب نقمة في طيها نعمة. وشهداؤنا لهم الله عز وجل ونقول لهم قولوا ما قال الصحابة للمشركين يوم أحد " قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار، الله مولانا ولا مولى لكم" والحمد لله رب لعالمين