رحم الله أحمد بوكماخ

 

 

افتح كتاب "الفصحى" عند الصفحة 25

 

 

قبل أن يُفصَم التعليم عن التربية فِصاما نَكِدا

 

 

غيرة الأعراب

 

 

 

احْمَرَّ وجه البحر الأبيض بالدم....والعار،

بحرٌ ركِبَته أم ملحانَ غازية، في من غَزا قبرص من الرجال...

سمك قرش جبان اغتال سابحا رمى بنفسه في اللجة، من إزاء العين الحمئة، عين ذي القرنين، وأتى من بعيد يحاول أمرا أو يغْرَقَ فيُعْذَرْ...

يحاول أن يُخلص غريقا في البرْ...

بر غزة المحاصر!

لو أنْظِرَ ذو القرنين لقال عنه الأعراب الأشدُ نفاقا، إنه يبحث عن دور، عن موقع قدم في المنطقة، أو أعانوا عليه القرش الجبانْ...

نم قرير العين في كهف القرآنْ... كما نام السبعة...وثامنهم كلبهم، في كهف الجبل! 

يا للغريق الذي ما زال يغرَق، يغرَق، يغرَق

في بر غزة...المحاصرْ

منذ سنين لم يكتمل غرقـُه... كم وَدَّ جيران البر اللصيق لو غرق منذ زمن بعيد.... تخبُّطه واستغاثته مُحرجة ولو أنها غير مخجلة بما يكفي...

بر لصيق، غيرُ شقيق ولا صديق!

 

ولكن هذه المرة طفح كيل الأعراب الأشدِّ نفاقا...

سمك القرش الجبان بالغ في قتل كل سابح فيه بقية نجدة!  

ثارت ثائرة نـُظم الأعراب، وتنادوا بينهم:  

"الأتراك...تخيلوا. ألم ننفض أيدينا منهم عن قريب؟ أعاننا على ذلك قوم لورنس الأعرابِ، جزاهم الله خيرا، وقوم مِسْ بـيِلْ الخاتون... مقابل وعود عرقوبٍ أخاه بيثربِ

نحن أولى بالغيرة منهم... نحن بنو جـِلدةِ غزة..."

 

بل أنتم لا أبا لكم...بنو جَلدها، جَلدًا... خطيئتها طرح الذل والهوان.

وعقدوا حَضيضا بدل القمة... قمة أهل الذمة المعكوسة....

افتتحها خطيب القوم وهو يلوك حلوى يمررها من شدق لآخر في حركة جميلة رشيقة...لو برزت من صبي!

ولكنها القضية...تلك الحلوى

تـُلاك، تـُلاك... ويمررها الأعراب من شدق لآخر كي يلفظوها كلمات شجب عجفاء بتراء....وبيانات يطردون بها ذباب الجيف العنيدة، في مرآة معكوسة...

ولكن الأعراب حاروا في مسألة يجب أن تحسم قبل القيام بأي عمل جاد هذه المرة...هذه الكَرَّة...هذه الفرَّة...

مسألة دستورية يجب أن تحسم.

ماذا يكون شكل غزة بعد التحرير؟

هل ننصب ملكا نبايع أبناءه بعدهْ ؟

أم ننصب رئيسا نبايع أبناءه... كذلك بعدهْ ؟

أم ننصب جماهيريا موغلا في التاريخ... لا يخطر ببال أحد أن له  قبلا أو بعدا!    

أم ننصب غرقى في بحار اللذات... غرقى في بحيرات الجغرافيا بعدَ ذلك ...؟

   

ولأن الحيرة سادت ولم تتبدد...

قام مجلس دستور مستعجل وقضى أنه...

حيث أن المآل شكل واحد من حكم الحظائر الأعرابية...

حيث أن أهل غزة قد ألفوا الأنفاق، فلهم السيادة تحت الأرض...على الإطلاقْ

وللأمير، أيا ما يكون الأمير... السيادة فوقها،

شاطئ غزة قصره

ووسط غزة قصر حَرَمه... ورواقْ

وحواشيها قصور لكل فلذة من فلذات أكباده،

والسماء...السماء

سيادتها للقرش الطيار

وبحر غزة

سيادتها للقرش الملاح

حيث الدم قد طفا على وجه البحر الأبيض...دم الغدر والعار...

عارٍ ما له من فواقْ!   

 

جدي

 

 

 

 

 

 

جدي

 

 

 

قال لي " تعال حُبْني." بلسان الحقول المترامية التي لا تحاصرها الأسوار...الآدمية...

لا يحدها سوى الجبل الأخضر.... ومن يدري؟ قد يكون هناك ما وراء...

جبل الصبا.

نهاية العالم القديم، ومن ورائه المجهول...و العراء

وكنت صغيرا.

واشمأززتُ من قوله... فقلت:  "لا تقل لي "تعال حُبني..."

أرسل ضحكة عالية، اهتز لها كيانه... ضحكة َ رجلٍ عادةً ما يُعَلم الناسَ في دَوَّاره، وهاهو يوقفه حفيده موقف التلميذ... رجلٍ جادٍ - من وراء أقطار الجد - طوال عامه،  إلا أياما قلائل معنا أو معه...

هناك...حيث الأرض لا يحدها سوى الجبل الأخضر...

قال لي في لطف "وماذا أقول لك يا ولدي؟"

قلت: " قل لي " آجي بُسني"

فأمسك بطنه واستغرق في ضحك بدوي ساذج جميل لذيذ. ماذا كانت تعني ضحكته تلك؟ 

شتان بين ما قال وما قيل له.

"شتان بين "تعال حبني" و "آجي بسني"

تعال...من العلو وهي الأصل، و هي الأصح...لكن الاستعمال ورياء المدن تضع في خانة البدوي من يستعمل اللفظة تلك...

"تعال"، ارتق إلي... إلى الفطرة، إلى البداوة، إلى الحب... من على هذه الأرض بأسرها ليس ذي أصل بدوي، كان آباؤه يأكلون القديد ويلبسون البرنس؟

"حبني" أحبني فإنك من ماء دافق يخرج من بين الصلب والترائب...أحبني ومهما فعلت فحبك طارئ... أما حبي لك فأصيل... لأنك مني بغير اختياري...فهل أنا منك...

لك أن تختار بعدما تكبر وتأخذك سكرة التعلم والمناصب والعزة الفانية.

وحتى لو اخترتني حينها، كم سأمكث بجوارك...وهل يا ترى تدركني حين يدركُكَ الرشد...أم سترى مني فقط قبرا من القبور المتحلقة حول قبة الدوار... تلك الدائرية كالكون...

اسمك اسمي وأنا في الرمس البالي

وأنت واقف تقرأ لوحتي

تريد أن تعود ربع قرن كي تنقش "تغمده" بدل "تغمضه"... وما يجدي

فإني كنت عينا تبصر

فأغمضت غمضتي الأبدية... وتغمضتني أجفان الوجود...

وفتحتها هناك

حيث دار القرار... والقدرة المباشرة

حيث الله لا ينام...يمسكهما أن تزولا... ولئن زالتا إن أمسَكَهُمَا من أحد من بعده...

حيث الله ينزل السماء الدنيا... فكن قائما إذ الناس نيامْ

حيث الله... بلا حيث بلا زمان...لا يموت كما يموت الأنامْ

كأجدادِك من قبل... 

هل تذكر منهم رجلا حيا؟

إنك لمُغرقٌ في الموت ... إذن

 

 

 

رضا