UA-85459660-1

Ok

En poursuivant votre navigation sur ce site, vous acceptez l'utilisation de cookies. Ces derniers assurent le bon fonctionnement de nos services. En savoir plus.

اخترانا لكم

مر طرف من الليل تحوم حول رأسي رموز الأحزاب..

 بين رمز كتابٍ يظنه البعض قرآنا يستحق التصويت مع أنْ لا علاقة لماضي الحزب بالقرآن إلا تمسحا في الحاضر وصلاةً لمتعة الرائي وخدعة الناظر؛ وبين مصباحٍ يحسبه البعض لامْبَة غاز قد تردهم القهقرى لِما قبل الكهرباء والضياء والتلفزة والمقعرات خطوتين إلى الخلف من أجل خطوة إلى الأمام؛ وبين جرار أتى يدك ما تبقى لكم من حياء وحياة وفتات؛ وحمامة جافةِ المنقار ذاتِ لحية زرقاءَ محلوقة؛ ورموز أحزاب أخرى لأصحاب الحال والوقت فيها مآربُ أُخَرْ..

انتقلتْ بي حيرةُ الرموز إلى أحزابها وبرامجها وانتخاباتها وتراشيحها وأخبار النُّخَابِ* العُضال والحرب الضروس على المواقع المتوقعة والنتائج المرتقبة، وإمكانية تحفيظ تجربة ما بعد الربيع العربي وتَمَلمُلِ 29 فبراير التي لم تتكرر كعدم تكرار يومها، وتوقعات تسجيل الرَّهْن في سِجل الإراثة السياسية وما يتلوه من مفعول التطهير والمسح لأجل خرائطية جديدة مَرْضية محظية مرعية..

فكرت كثيرا وكثيرا وأخذت شهيقا وزفيرا وحِرْت في من أنتخب؟ لمن أعطي صوتي وسوطي كي يجلدني به في آخر المطاف؟ لمن والتصويت واجب وطني وأحد أمناء الأحزاب المُحنكين المبجلين كان قد اقترح فرضَ غرامة على كل ممتنع عن التصويت بحيث سيضمن للخزينة مبلغا محترما قبل أي برنامج حكومي أو تصويت بالثقة أو تحالف أو أي شيء..

أليس ذلك عربون نجاعة وولاء؟ ألا يستحق هذا الرجل المحنك نجاحا مؤزرا من دون انتخاب أو ترشيح حتى؟

أمام حيرتي الكبيرة قررت أن أستخير في أمر هاته الاستحقاقات غير المستحَقة لعلي أتلقى جوابا يقطع ترددي. ولما أبطأَتْ إشاراتُ اليقظة أخذني النوم فرأيت فيما يرى النائم..

رأيت سهلا فسيحا عريضا طويلا مليئا بقفاف البلاستيك المحظورة الممنوعة، ورأيتُ سماء صافية وشمسا حارقة، ورأيت من بعيد شيخا كبيرا متوكئا على ما كان يبدو عكازةً بادي الرأي. حسبتُ الشيخ من الحكماء، خاصة أنه كان رافعا بصره ينظر في السماء لا يبرحها. اقتربت منه لعلي أمْتَحُ من حكمته أو لعل جوابَ استخارتي يأتي على لسان خبرته وتجاربه. لما اقتربتُ اكتشفت أنه كان شيخا ذا شكل غريب. كانت التجاعيد تملأ صفحة وجهه، وكان جذعه ورجلاه تبدو عليها شيخوخة السنين أو لعله يكون من المعمرين القُرُونيين، بينما ذراعاه ويداه كانت مفتولةً كشاب قوي، وكانت العكازة عصا بيسبول من النوع الغليظ. يا لطيف. ما الذي أتى بي هنا. لعله شيخ السندباد الذي ارتقى على كتفيه ولم يرد أن ينزل أو لعل مزاجَه ينقلبُ في أية لحظة فيوسعني خبطا أو لعله شيخ قضى سحابة عمره أو أعماره في الفَتوَنَة والتسلط فلم يستطع وهو شائخٌ الآن أن يتخلص من أثقال ماضيه وأوزاره المتراكمة بل استبدل نَبُّوتَه العتيق بعصا بيسبول حداثية. ربما هو زقلط الفتوة في فصل "الجبل" من رواية "أولاد حارتنا" وقد بلغ من الكبر عتيا..

على أي.. الشيخ لم يلتفت إلي بل كان منهمكا في النظر إلى السماء ينتظر حدثا ما بهدوء وسكينة لا يهزها شيء. لم أكلمه. لا عجلة في زمان الحلم ولا استعجال. شيئا فشيئا صارت السماء تتلبد فوقنا بغمام رمادي يبدو مطيرا، تجمع فجأة لا يُدرى من أين وكيف والأغرب أنه كانت كل غمامة تحمل فوق رأسها صندوقا خشبيا أو زجاجيا – لا فرق - فيه لفائف تصويت من كل الأصواب والأحداب وكل الأطياف والأحزاب.

يا حسرة.. هل مر يوم الاقتراع وأنا نائمٌ نومة العُزير؟ وهل نمت أصلا فور استخارتي إلا لأجل أن أستشير المنامات في أمر تصويتي؟

أدهشني المنظر الغريب وأذهلني قليلا عن السؤال، لكن الشيخ كان مطمئنا لرؤية الغمام المُحَمَّل بصناديق الاقتراع لا يهزه شيء فقلت لنفسي "يا نفس اتهمي رأيك واكسري ميزان اليقظة وتأقلمي مع وضع الحلم ولو كان كابوسا.."

مكث الغمام يتجمع حتى احتجبت السماء فوق رأس الشيخ الغريب وفوق رأسي. كان همي وتخوفي ورُعابي من أن ينزلق صندوق ما فيسقط من أعلى ويتهشم فوق رأسي ويؤذيني تماما كرعابي أيام الطفولة من ثُريَّات النحاس الضخمةِ المعلقةِ فوقَ رؤوس المصلين في المساجد العتيقة، فكنت أتفادى الصلاة من تحتها. لكن اليوم أين المفر والسماء كلها سحب عليها صناديق لا يسندها إلا بخار الماء الكثيف ولا صلاة هناك مُقامة ولا مسجد ولا إمام..

انتزعني من جزعي نطق الشيخ الوقور صاحب نبُّوتِ البيسبول الغليظ. أخيرا تكلم. لكنه كان يخاطب السحب التي انطلقت تكمل طريقها إلى جهة ما يعلمها هو. زدتُ اقترابا منه كي أميز ما يقول. كانت قد ارتسمت على شفتيه بسمةٌ ساخرة ماكرة وكان يداعب تلك السحبَ في سكينة وهدوء ووثوق:

- أيتها السحب الصناديقية.. أيتها الصناديق السحابية.. أمطري حيث شئتِ فسيأتيني خَرَاجُك.. وسأجني ثمارك.. من كل لون وطعم..

التفت إلي أخيرا كأنما أحس بحضوري أول مرة، وقال لي دون سؤال:

- لقد كُفيتَ هم الاقتراع والاختيار، عد إلى يقظتك.. الحاجة مقضية.. أيًّا ما كان اختيارك أو لا اختيارك فقد اخترنا لك.. الأمر سيان..

قلت له:

- من أنت أيها الشيخ الوقور؟

قال لي:

- من عادتي في اليقظة أن لا أجيب لأنني لا أُسألُ عما أفعل ورعاياي فقط يُسألون.. ولكن بما أننا في حُلم ديمقراطي كبير فسأقول لك من أنا.. أنا المَخْـ...

لم يتمم كلمته حتى أفقت من نومتي لا أعرف مَن هو للأسف، وكانت سبابتي مخضوبة بحبر تصويت عنيد زادني حيرةً إلى حيرة هوية الشيخ الطاعن في الزمن المديد ..

من يا ترى تحَكَّمَ في اختياري حتى في زمن الرقود؟ 

*électoralite

Les commentaires sont fermés.