UA-85459660-1

Ok

En poursuivant votre navigation sur ce site, vous acceptez l'utilisation de cookies. Ces derniers assurent le bon fonctionnement de nos services. En savoir plus.

  • أيها الملك

     

      

    rsol3.jpg

     

     

     

    أيها الملك

     

     

    ولما رأى رسولُ الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ما يُصيب أصحابَه من البلاء وما هو فيه من العافية بمكانهِ من الله عز وجل (كونَه نبيا) وعمِّه أبي طالب (إذ كان في جواره وحمايته) وأنه لا يقدر على أن يمنعهم (يحميهم) قال‏ (لهم):‏

    - لو خرجتم إلى أرض الحبشة فإن فيها ملكًا لا يُظلَم أحد عنده حتى يجعلَ اللهُ لكم فرجًا ومخرجًا مما أنتم فيه‏.

    (...)

    لما رأت قريش أن المهاجرين قد اطمأنوا بالحبشة وأمِنوا، وأن النجاشي قد أحسن صُحبتهم، ائتمروا بينهم (تشاوروا) فبعثوا عمرَو بن العاص وعبد الله بن أبي أمية ومعهما هدية إليه (النجاشي) وإلى أعيان أصحابه، فسارا حتى وصلا الحبشة فحملا إلى النجاشي هديته وإلى أصحابه هداياهم وقالا لهم‏:‏ - إن ناسًا من سفهائنا فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا في دين الملك (النجاشي) وجاؤوا بدين مبتدع لا نعرفه نحن ولا أنتم، وقد أرسلـَنا أشراف قومهم إلى الملك ليردهم إليهم، فإذا كلمنا الملك فيهم فأشيروا عليه بأن يرسلهم معنا من غير أن يكلمهم وخافا إن يسمع النجاشي كلام المسلمين أن لا.

    ثم إنهما حضرا عند النجاشي فأعلمَاه ما قد قالاه فأشار أصحابُه بتسليم المسلمين إليهما‏.‏

     

    فغضب (النجاشي) من ذلك وقال‏:‏

    - لا والله لا أسلم قومًا جاوروني ونزلوا بلادي واختاروني على من سواي حتى أدعوَهم وأسألـَهم عما يقول هذان، فإن كانا صادقـَيْن سلمتهم إليهما، وإن كانوا على غير ما يذكر هذان منعتهم وأحسنت جوارهم‏.‏

     

    ثم أرسل النجاشي إلى أصحاب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فدعاهم فحضروا وقد أجمعوا على صدقه فيما ساءه وسره وكان المتكلم عنهم جعفر بن أبي طالب‏.‏

     

    فقال لهم النجاشي‏:‏

    - ما هذا الدين الذين فارقتم فيه قومكم ولم تدخلوا في ديني ولا دين أحد من الملل؟

    فقال جعفر‏:‏

    - أيها الملك كنا أهل جاهلية نعبد الأصنام ونأكل الميتة ونأتي الفواحش ونقطع الأرحام ونسيء الجوار ويأكل القوي منا الضعيف حتى بعث الله إلينا رسولًا منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه، فدعانا لتوحيد الله وأن لا نشرك به شيئًا ونخلع ما كنا نعبد من الأصنام، وأمرَنا بصدق الحديث وأداء الأمانة وصلة الرحم وحسن الجوار والكف عن المحارم والدماء ونهانا عن الفواحش وقول الزور وأكل مال اليتيم وأمرنا بالصلاة والصيام‏...فآمنا به وصدقناه وحرمنا ما حرم علينا وحللنا ما أحل لنا، فتعدى علينا قومُنا فعذبونا وفتنونا عن ديننا ليردونا إلى عبادة الأوثان، فلما قهرونا وظلمونا وحالوا بيننا وبين ديننا خرجنا إلى بلادك... فقال النجاشي‏:‏ هل معك مما جاء به عن الله شيء قال‏:‏ نعم فقرأ عليه سطرًا من كهيعص فبكى النجاشي وأساقفته وقال النجاشي‏:‏ إن هذا والذي جاء به عيسى يخرج من مشكاة واحدة. انطلقا والله لا أسْلِمُهم إليكما أبدًا‏!‏

    فلما خرجا من عنده قال عمرو بن العاص‏:‏ والله لآتينه غدًا يبيد خضراءهم‏.‏

     

    فقال له عبد الله بن أبي أمية وكان أتقى الرجلين‏:‏ - لا تفعل فإن لهم أرحامًا‏.‏

     

    فلما كان الغد قال عمرو للنجاشي‏:‏- إن هؤلاء يقولون في عيسى بن مريم قولًا عظيمًا‏.‏

     

    فأرسل النجاشي فسألهم عن قولهم في المسيح‏.‏

     

    فقال جعفر‏:‏ نقول فيه الذي جاءنا به نبينا‏:‏ هو عبد الله ورسوله وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول‏.‏

     

    فأخذ النجاشي عودًا من الأرض وقال‏:‏ ما عدا عيسى ما قلتَ هذا العود‏.‏

     

    فنخرت بطارقته فقال‏:‏ وإن نخرتم‏.‏

     

    وقال للمسلمين‏:‏ اذهبوا فأنتم آمنون ما أحب أن لي جبلا من ذهب وأنني آذيت رجلا منكم‏.‏

     

    ورد هدية قريش وقال‏:‏ ما أخذ الله الرشوة مني حتى آخذها منكم، ولا أطاع الناس في حتى أطيعهم فيه‏.‏

     

    وأقام المسلمون بخير دار‏.‏

     

     

    *** 

     

    (السيرة النبوية - ابن هشام)

  • الاقتراع الجديد

     

     

    eboueurs-en-greve.jpg

     

    الاقتراع الجديد

     

     

    توجهتُ إلى مكتب الاقتراع. حجرةُ درس عتيقة، في مدرسة شِبه متداعية في حَيِّنَا الجميل رغم ذلك، جميلٍ بما هو حي الصِّبَا الذي ولَّى...فقط. هنا في هذه الأقسام تتكدس فلذات الأكباد للدراسة. ماشي مُشكل. حينما ينجح المرشحون سيصْلـُحُ حالنا، سأكف عن سوء الظن يومي هذا كله وعامي هذا، لعلنا لا نرى ضيما بعد عام الناس هذا. كن متفائلا.

    تقدمت نحو الصندوق، لكنني لم أعثر بجانبه على أوراق انتخاب ولا على لوائح الرموز التي تتوزع بين جَماد كالشمعة والكتاب المهجور، أو حيوان كالأسد والحصان والجمل الصبور، أو آلة كالمفتاح أوالتراكتور، ذاك الذي صار منذ مدة يُقلـِّبُ تراب حقلنا السياسي المغربي استعدادا لموسم حرث آخر تتغير فيه الوجوه، أما الأدوار فهي كما هي منذ عقود، والله يعلم حصاد هذا الحرث كيف سيكون.

    كانت حجرة الاقتراع مهجورة تماما. عَزَوتُ ذلك في البداية لكون السواد الأعظم من المغاربة قد طلـَّق الانتخابات أكثر من ثلاث طلقات، ففي أوطاننا بقدر ما تتغير الأمور بقدر ما تبقى هي هي، مفارقة عجيبة. خلت كذلك أنني أتيت باكرا، ولكن حينما نظرت إلى ساعة معلقة، كانت عقاربها تشير إلى العاشرة... لولا أن رجلا كان واقفا هناك، أظنه حارس المدرسة قال لي: لا تعبأ بتلك الساعة، إنها متوقفة منذ سنين.

    متوقفة ولا زالت معلقة؟ ربما كتحفة من الزمن الذي كان لحركتها فيه قيمة.

    أين إذن هي البقية الباقية من الناخبين المتفائلين ببصيص تغيير. لا أحد حتى الآن. كنت صفا لوحدي. يا سلام، صوتي حاسم إذن في هذه الانتخابات لأنني الكتلة الناخبة كلها أو نصفها أو ثلثها إن استمر الوضع هكذا ولي قصب السبق فوق ذلك.

    الرجل الذي أخبرني عن توقف الساعة منذ زمن بعيد، كأنما قرأ في مخيلتي ورأى غروري أنني حسبت نفسي رقما صعبا في المعادلة الديمقراطية، فقال لي بهدوء الحكماء الذين يكونون مَخفِيين عادة في رداء مَن لا يُعبأ بهم في المجتمع، كحارس المدرسة هذا الذي يبدو أنه يعلم من حقائق الأشياء ما لا يعلم أصحاب الظاهر. قال لي :

    - لقد أتيت متأخرا

    - كيف؟

    - يبدو أنْ لا خبر لديك عن طريقة الاقتراع الجديدة

    - أخبِرْني سيدي، أرجوك...

    - لقد غيروا طريقة الاقتراع بشكل مفاجئ. الاقتراع قد تم البارحة ليلا وشاركت فيه بقوة مؤسسات جمع القمامة...

    - هذا محير اشرح لي من فضلك

    - لقد صار لعمال القمامة شأن وأي شأن، هذه الدورة. فقد تم تكليفهم بإحصاء عدد الأوراق التي تملأ كل زقاق وكل شارع، وبقدر ما سيجتهد كل حزب في رمي أوراقه في الشوارع ويبعثرها هنا وهناك على الرصيف، في قارعة الطريق، على ماسحات زجاج السيارات وفي كل درب وزقاق، بقدر ما سيحصد من أصوات تؤهله أن يقود البلدية إلى الغد الأفضل، حيث سيكون من أولى أولويات مجلسه "صفر أزبال في شوارع المدينة "

    - يا للانسجام مع الذات.          

    ....