UA-85459660-1

Ok

En poursuivant votre navigation sur ce site, vous acceptez l'utilisation de cookies. Ces derniers assurent le bon fonctionnement de nos services. En savoir plus.

- Page 2

  • بعد المسيرة 2

     

     وقفة مسجدية من أجل غزة.JPG

     

    لكن " جرين-دايزر" ليس حلا في الحقيقة. فبقطع النظر عن كونه حلمَ أطفال، أو مَن تبقت فيه أثارة مِن طفولة، فهُوَ غَيرُ جَار على سُنة الله في كَوْنِه، وهو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام وما مسه من لغوب، ولا يحقق حكمته وراء ما يجري. ما يجري في أرض فلسطين آية ومعجزة من صنع الله وتدبيره الجميل لهذه الأمة. آية من آيات النبوة، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم خاطبنا أنه لن تقوم الساعة حتى نقاتل اليهود، فيفضحهم الحجر والشجر. وحق للشجر أن يفضحهم وهم الذي اقتلعوا الآلاف من زيتونات فلسطين. زيتونات هي رمز فلسطين في سورة التين كما حكى بعض المفسرين. وقصفوا الحجر ورضوه رَضًّا بقنابل تزن الأطنان كي يقتلوا شرفاء الإنسانية وليس فقط شرفاء أمتنا. ثم معجزة لأن شريطا صغيرا دقيقا اسمه غزة، كثافته السكانية تفوق جميع بقاع الأرض بفعل التهجير والتشريد واللجوء، شريطا صغيرا يصمد أمام جيشهم الذي تعودت أن تنكسر أمامه الجيوش الرسمية في ستة أيام بل ست ساعات، على افتراض أنها قاتلته أصلا. معجزة وأسطورة فسرت لي سر استعمالنا في دارجتنا لعبارة " غزة فيك."  إنها عبارة لم تأت عبثا، بل ربما يكون من وضعها أول مرة، كأنما نطقها للمستقبل وليس لحاضره. "غزة فيكم وعليكم" يا معشر الصهاينة ومن تواطأ معكم. "غزة فيكم وعليكم" ستحرر العالم بمقاومتها الموجبة التي تتجلى في تلقينها جنود الجماعة الوظيفية اليهودية الخادمة لمصالح الغرب المتحضر جدا، درسا في الاستبسال والفتوة والإرادة لا يضاهى. "والفتى من يكسر الصنم" كما يقول الصوفية. ثم بمقاومتها السالبة، بما مكنت العالم أن يرى ويسمع فظاعات القتل وتمزيق الأجساد وتمزيعها أمام عدسات الكاميرات صباح مساء. أي محرقة أفظع من هاته؟ محرقة على الهواء مباشرة، على مدار الساعة، وليس في أشرطة سينمائية عتيقة أظهروها بعد سقوط النازية في ألمانيا بعد سنوات عديدة، تتكلم عن رقم هولوكوست لم يفتأوا يراجعونه منذ ذلك الحين كما يحكي رجاء جارودي في كتابه  الذي حورب وعودي من أجله "الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية"

    ما يجري في غزة كان يجب أن يقع. لأنه يفضح أن في الإنسانية من هو مستعد للقتل والذبح والعلو في الأرض علوا مفسدا عاتيا جبارا عنيدا مبيرا مبيدا لمن لا يسجد له. وعلى الإنسانية أن تتحصن منه وضده وأن تحذره بل تقضي عليه وتقمعه. ولن تستطيع الانسانية في وضعها الحالي كما صاغها الغرب الفرداني، الذي جعل من الإنسان وحدة اقتصادية لا غير، من الصباح إلى المساء في كدح من أجل المال والجاه " ولا كاريير"، لا تستطيع هذه الإنسانية أن تقاوم وتقضي على هذا النموذج الفاتك إلا بقيادة قوية صالحة أمينة. وها هي تلك القيادة الآن تتبلور في فلسطين وأرض المسلمين عموما، فأي شرف وتشريف إلهي هذا وأي اصطفاء من الله عز وجل، لم يكن ليحصل لو أن الصهاينة وافقوا على إقامة دولتهم في مناطق أخرى من العالم، كما كان مطروحا في بداية المشروع الصهيوني. فرب نقمة في طيها نعمة. وشهداؤنا لهم الله عز وجل ونقول لهم قولوا ما قال الصحابة للمشركين يوم أحد " قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار، الله مولانا ولا مولى لكم" والحمد لله رب لعالمين     

     

     

  • Diogène

     

    ريضال - ر.ن.JPG

     

    ريضال تصير في بعض الأحيان كالفيلسوف اليوناني ديوجين الذي كان من عادته أن يوقد مصباحا في وضح النهار ويجوب به الأزقة والدروب، وحينما يسأله من يلاقيه عن مغزى ذلك تحت الشمس المضيئة المحرقة، كان يجيب: " إنني أبحث عن الانسان..." منذ ذلك الوقت والانسان مفقود.

    الفرق بين ديوجين وريضال هو أنه كان يوقد مصباحا واحدا ولم يكن يطالب أحدا بفاتورته.   

     

     

     

     

  • بعد المسيرة

     

     

     

    مسيرة الرباط - ر-ن.JPG

     نهاية المسيرة عند "باب الرواح" الذي بقي شامخا بعد رواح الكل إلى بيته

     

     

     

    عدت من مسيرة التضامن مع أهلنا في غزة. كانت صلةَ ألم وليس رحم، رمزية من بعيد، بعيد. كان قصدي المبطنُ والبسيطُ، والطفولي إلى حد بعيد، أن يراها أهلنا في غزة على شاشات تلفازهم، إن تبقت لهم تلفزات أو كهرباء يشغلها، لتعطيهم  دفعة نفسية، أننا في المغرب الأقصى معهم، نؤيدهم، نحس بهم، نحس بحصارهم، نغضب لغضبهم، نحزن لحزنهم، نبكي لبكائهم. ولكن المسيرة انتهت، وسرعان ما...فعُدت أدراجي إلى البيت.

    وكما يقال " ما مضى من عمرك حلم " فقد خلفتُ المسيرة وراء ظهري، تكتنفها في مخيلتي غمامة كغمامة حلم، وكانت رجلاي تحملاني مثقلتان كثقل رجْلَيْ حالم لا تطاوعانه في جري ولا مشي. كنت أدب فقط على الأرض. إلى أين؟ إلى البيت لأكمل " مقاومة التفرج " أمام التلفاز، مقاومة عَدِّ الشهداء... مقاومة ًهي من أعمال القلب والقلبِ فقط، إن كان للقلب عمل.

    المسيرة من أساسها رمزية. لأنها لم تنتزع من السلطة انتزاعا، بل هي مسيرة منحتها السلطة، وحددت لها مسارها الذي لا يجب أن تتجاوزه وإلا كان مصيرها مصيرا آخر. ولكن على الأقل، نحن أحسن حالا ممن لم تمنح له حتى هاته الفرصة لينفس من احتقانه، بل رأيناه في الفضائيات تتبعه هراوات الشرطة في بلده وخراطيم المياه، "تزمزمه"  "زمزمة " عنيفة ونحن في أيام عاشوراء...

    هل أبرأتُ ذمتي حين شاركت في المسيرة الممنوحة؟ هل أبرأنا ذمتنا معشر الغاضبين، المحتشدين، الهاتفين، الصارخين بالموت لإسرائيل، والنصر للمقاومة؟

    كم كنت أود لو جلستِ الحشود كلها في الشارع الكبير، وقام فينا رجل واحد مومن، بمكبر صوت، وأخذ يدعو على عدونا دعاء بليغا، كتلك الأدعية التي تبثها قناة المنار اللبنانية والتي يسمونها بالصحيفة السجادية، نسبة إلى الإمام زين العابدين السجاد، حفيد رسول الله صلى الله عليه وسلم. (لا نعلم صحة نسبة تلك الأدعية ولكنها جميلة وبليغة ومؤثرة، ولست شيعيا، ورضي الله عن آل وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أجمعين.) كنت أود أن يدعو بها ونحن نؤمن على دعائه ونبكي على الله عز وجل، كما رأيت يوما في إحدى مظاهرات ماليزيا أو اندونيسيا لست أذكر. حيث كان يعم جو من الخشوع والتوجه إلى الله والإنابة إليه واستنصاره على العدو الظاهر والخفي. كنت أود أن تكون المظاهرة كصلاة استسقاء نخشع فيها لله ونتوب توبة جماعية عسى أن يرفع عنا ظلم الظالمين، لأنه ما حل بنا وما تداعت الأمم على قصعتنا إلا من ظلمنا لأنفسنا ولبعضنا. لكن الشعارات الغاضبة كانت طاغية. شعارات منها الغث ومنها السمين، تعكس أطياف المشهد السياسي المغربي المتشرذم السائر لغير وجهة.

    عدت أدراجي أفكر فيما يمكن أن أفعله الآن، هنا. ماذا يمكن أن أفعله؟ المسيرة لا تكفي. العدو يقصف، يدمر، يجتاح. "المجتمع الدولي" يريد إسرائيل أن تقضي على غزة في أقرب وقت ممكن، وتخلق أمرا واقعا آخر في لمحة البرق. الأنظمة العربية صامتة. حتى قمم الشجب انتهت، وماتت موتا سريريا. وماذا يمكنني أن أفعل أنا القليل الصغير المهمل في هذا العالم الذي لا يؤمن إلا بالقوة والبطش والجبروت. هل أذهب مباشرة وأتمدد وأنام لأحلم بفرج قريب. أو أحلم حلم يقظة، أنني "دوق فليد" عندي " جرين-دايزر" وأهجم به على تل أبيب وأمسحها من الخريطة مسحا... ما العمل؟  

     *****