UA-85459660-1

Ok

En poursuivant votre navigation sur ce site, vous acceptez l'utilisation de cookies. Ces derniers assurent le bon fonctionnement de nos services. En savoir plus.

  • زخة مطر 2

     

     

    الجبل الأخضر.JPG

     

    زخة مطر 2

     

     

    قليلٌ ما يُضحكهم، وإن أضحكهم فالتفِت عن زمام بغلتك لحظةً. لا تخف ضلال الطريق فالبغلة الهادئة هاديةْ.التفِت كي ترى من تحت البرانس التي تقي البرد كما الحر هناك، ويقشعر لتحسُّس حرارتها عقلك قبَيْل جلدك، كي ترى كروشا تهتز تبَعَ القهقهاتِ الدَّرْداءِ. تتحدث لغة، لولا فرار أبيك أصغرَ منك، جراء تهمة بنوم الضحى في البيدر، في زمن الدراس، لولا فراره لكانت لغتك ولغوك الحاضر هناك، الغائب هنا، لكانت لفظك ومعناك وطباقَ غربتك. عد إلى زمامك تقود النحام الوردي لتصل "الجبل الأخضر" النازف، بضربة سيفك الخشبي. سحابة صيف ناصعة تحشو واديه كقطن يتتبع أثر الدم النازف، وعند السفح المسفوح يدع الجدول الأحمر...يجري...يجري...يُصيره الرعاة السقاة لَبِنا مقطوعا بمِقدار، - بمُقدار،- يبني خيمات التراب حصونا لها فِناء تطل منه الأرض على السماء والسماء على الأرض جملةً واحدة. لو دخلته وخطوت فوق كثيفِ عشبٍ وحشائشَ وأنقاضِ حجرة تُغير فيها الحيات جلدها، ليس خوفا بل حياء من نظر مثلِكْ، فاستدِلَّ أن الكبير قد مات في زخة مطر بحزين خبرْ. مشيته المتوترة لم تدع يوما النجم ينبت هناك، ينظر نفسه في مرآة التراب، بل أقطعه مما ترك آباؤه مسجدا فسيحا له وللشجر فيه يسجدانْ...

    أيها الكبير، هذي سلة التين، أمرتني أن آتيك بها من الجِنان، معذرةً على التراب الذي عفرها فقد رمتني من فوق ظهرها الأتان الحرون، وكنت لأبقى هناك منجدلا في طينتي أتلوى من ألم بطن تصلب كظهر سلحفاة، - هل يؤلم السلحفاة ظهرها؟ - لولا زوجة ابن رقية أرْقَتني من جديد على ظهر الدابة الطائعة فجأة بهمس في أذنها، وأجلستني كما ينبغي، لأنني لم أجلس قبلُ كما ينبغي فأسقطني ذلك العرش الدابُّ على أربع ...منذئذ أكره العروش لست لها أهلا وليست لي...

    أيها الكبير هذي سلة العنب التي أمرتني أن آتي بها. في ثنايا عناقيدها المتراكبة المكتنزة، عناكبُ أغناها المكان عن النسج والخيط، يكفيها الظلام الأحمر المستتب بين الحبات المطيرة التي تجاذبَها الحلال والحرام. أعطني كيس الفول والحمص المسلوقين، مزاجُهُما ملح وكمون يفرح بهما لسان كل ذائق... للموت.

    البغلة تستحم في التراب الحار تضمد بمبلغها من العلم خدوشَ سرج العربة الخشن اليومية، وتجفف عرق سَفْرة يومٍ أو بعضِ يوم...السَّفرةُ المائة...السَّفْرة الألف...عليها أميون يَحْكون كالأسفارِ البالية عن "بودو" الإفرنجي، مَن بيته الأسمنتي يطل على خيمات الطين من فوق الرابية، سقفه الآن يرفرف مع الرياح. يئطُّ القضيب الصدئ اليتيم الذي يشده إلى البقايا المنقضة عما قليل مثلَه، ليس الآن الآن، ولكن طوال غِيباتاك المتتالية خلف جدران حجرة الدرس، ألف....باء...جيم...حيث كل حرف لا يقف إلا بسند من حرفين من إخوته، لم لا يقف كل حرف على حرفه، على حافة نفسه؟ خلف جدران حجرة الدرس مبللا بحليب بقرات سمان تأكلهن بقرات عجاف ولا تذكرة ولا تفكرة.

    صار ورديا داكنا ريشك حين ابتل، أيها النحام، وبلغ القر جميع أقاليم مملكة جُسَيْدِكْ...

     

     

    يتبع...

     

  • حرية التعبير

     

     

    حرية التعبير ن.ع.jpg
    كاريكاتير الفنان نازه عبد القادر
  • أنا والسائق

     

     

     

    transport-VIPl.jpg

     

     

    ...

    أعجبني كثيرا منظر الشيافر (الساقة) وهم يَغُطّون في نومهم المغناطيسي العميق. جلستُ أتأملهم وهم في وداعة قصوى. لم يكونوا هم هم كما عند السياقة. وقفت على رأس أحدهم، فتذكرت شيئا وقع لي معه يجعلني لا آسف على حذف ناقلات المستخدمين.

    كنت أشتغل أعالي الليل لمدة غير يسيرة. وذات ليلة من ليالي الشتاء الباردة أتاني ذلك الشيء-يفور (مفرد شيافر) المُمَغنطُ الآن أمامي إلى البيت لينقلني إلى مقر العمل-عبادة، كما يقال، بالسيارة. ركبت الناقلة، وانطلقنا. كانت السيارة تضج بالموسيقى الشعبية الشعبوية ومن يستطيع أن يقول للقاضي رأسك حاسر. حينما انتصفت الطريق قال لي:

    "- إنني سأمر إلى بيت الرايس لآخذ مراسلة يجب أن تصل الآن إلى المعنيين بها كذا كذا إلخ...."

    قلت له: "- الله يا ودي، واش حنا نقولو شي حاجة إذا الأمر كيتعلق بالرايس..."

    كانت الليلة من أبرد الليالي الشتوية، لم تكن مطيرة ولكن كان الرباط ملفوفا في ضباب كثيف وبارد كالضريح (الضريح في اللغة هو القبر وليس البناء)...عندما صرنا على بعد ثلاث مائة متر من إقامة الرايس، توقف الشيء-يفور وفاجأني بقوله:

    "- هل يمكنك أن تنزل وتنتظرني هنا؟ لأن – والعُهْدة على الشيفور في روايته- الرايس لا يحب أن يتعرف أحد من البيرصونيل منزلَه"

    قلت له:"- وهل يصح أن أنزل في هذا الضباب الكثيف كي لا يتأذى الرايس من رؤيتي؟ ثم أنا على يقين أنه لو علم الرايس بما تقول، لجبذ لك أذنك وقال لك لماذا لم تأتني قبل أن تذهب إلى السؤرس (CRC) المحترم المبجل؟" فبدأ الشيفور يتحدث عن رزق الوليدات ، وليزانستريكسيون ديال الرايس، ناري، ميمتي...فلم أجد بدا من أن أنزل.

    وقفت قرب شجرة هناك في الحي الراقي أنظر في الضباب ولا أبصر، كجنين في مشيمة. صَيَّرَني الشيء-يفور شخصية من شخصيات شارلز ديكنز البئيسة في أحد شوارع لندن في القرن التاسع عشر الأوربي، قرن الثورة الصناعية والقهرة وبائعة الكبريت. أخذتني تلك اللحظة نوبة من الوعي الحاد بكينونتي كنتيجة لمعادلة فريدة من نوعها (أنا + شيء-يفور غير عادي × مكان غير عادي ÷ زمان غير عادي = سؤرس (CRC) في أبهى مظاهر سأرسته ) من منكم يعرف مثل هذه الحالة؟ تنتابك في الظروف الحرجة فقط، تُصبح واعيا إلى أقصى حدودٍ بوجودك، تـنْجمع على نفسك، تنكمش في زاوية صغيرة من زواياها كما تـنجمع أشعة الضوء من خلال البلورة فتخرج حارقة خارقة...كانت لحظة وعي حارق خارق رغم الضباب...تساءلت:" دابا زعما الرايس قال هاذ القضية؟ وايلي، زعما أنا إذا عرفت دار الرايس، غادي فالصباح نمشي عندو...داق، داق..." شكون؟ كاين السي الرايس، خرج، خرج عندي ندَّاكْرُو شي شويا؟" واش هاد الشيء-يفور في كامل قواه العقلية؟"

    حين وصل التساؤل إلى الحالة العقلية للشيء-ءفور زاد ذعري، لأنني قبل وبعد كل شيء كنت راكبا مع شخص غريب، الشيء-يفور ليس أخي، ولا صهري، بيننا لاَبَاس، بخير...ولكنها ليست كافية لتتوطد بيننا الثقة، وعلاوة على ذلك ها هو قد وضعني هنا في الظلام والضباب وانصرف... هل سيعود ؟ أليس ما وقع مقلبا ماكرا؟ يا ليتها كانت مقلبا، ربما لم أكن لأحس حينها بهواني على الناس.

    كان قرص القمر يبدو ساطعا رغم الضباب، وحوله هالة نور بيضاء تتسع حسب انقسام الضوء على حبيبات الرطوبة. شَغَّلْتُ الشاعرية كي لا أستوحش...تذكرت بيتا لأبي فراس الحمداني:

     

    سيذكرني قومي إذا جَد جِدُّهم    وفي الليلة الظلماء يُفْتقد البدرُ

     

    استرسلت أتذكر أبيات الشعر التي تذكر القمر. منهم من يشَبه به محبوبته، ومحبوبتـُه المسطحة عادةً لا ترى في القمر إلا جُلْمُود صخر كبير كروي الشكل يطوف بالأرض ولو ارتطم بها لفجَّرها وفجَّرتْه... ومنهم من يشَبِّه بالقمر نفسَه بسبب الجرح والأسر كأبي فراس هذا الذي كان عصي الدمع شيمتُه الصبر، مشتاقا ولكنْ... مثلَهُ لا يُذاعُ له سِرُّ...ومنهم من يشَبِّه به سلطانا يمدحه من أجل كيس مال يُرْمَى إليه أو حظوة زائلة هي ومَن يمنحها... ومنهم من قال أنه وصل إليه وداس ترابه وترك عفطته ورايته هناك... متى؟ زمنَ الحرب الباردة التي تسابق فيها المعسكران الشرقي والغربي أيُّهما يكذب أكبر كِذبة ويجعلُ رِعاع ودَهماء العالَم يصدقونها... ومنهم من يتسلى به في الليل المضبب، كعبد ربه المذنب، في انتظار عودة شيء-يفور، سلامتـُه العقلية محل تساؤل وغير مصادق عليها من طرف إيزو 9001.

    بعد ردح من الزمن كالأبد، عادت السيارة، فركبت، وأخذ الشيء-يفور يقول لي :" هانت شوف شوف... " وأراني ظرفا كبيرا فيه مراسلة ضخمة يجب أن تصل المطار كي تطير حول العالم ثم يعود جوابها في مثل هذا الوقت إلى الرباط من حيث جاءت...قلت له:" أنا غْدا راني إر سي آخوي (راحة)" خشية أن يعيد علي هذا الحدث، ومن يدري فقد تكون ليلة الغد مطيرة، فتكون ليلتي هاته مقارنة معها كنزهة جميلة في شوارع لندن.

    حينما عدت من الفلاش باك وجدت الشيء-يفور ما زال مُمغنطا على حاله. نظرت إليه متوسدا كرة حمراء قرب الباب، مسكين...تذكرت شرط الصوفية في الشفقة على الخلق...لو كان لدي غطاء لسَجَّيْتُه به لأنه بفعل التنويم المغناطيسي كان كالميت،  وقلت له في نفسي: على بحال هذيك الليلة الليلاء بلاش من الطرونسبور...

     

    ...

     

    رضا