UA-85459660-1

Ok

En poursuivant votre navigation sur ce site, vous acceptez l'utilisation de cookies. Ces derniers assurent le bon fonctionnement de nos services. En savoir plus.

  • زخة مطر 1

     

     

     

     

    2468357627_9666df6d9a[1].jpg

     

     

    زخة مطر 1

     

     

    دعه واقفا، لا يريد عرشك، أعرفه جدا، لن يجلس عليه ولو قال: سأفعل... رجله تخدر كلما جلس على وثير الكراسي والأرائك الدنيا... يقف على إحدى رجليه تارة وتارة على الأخرى مرتاحا كطائر نُحام جميل اللون والقد، لا يُضيع توازنه. لو جلس على أربع قوائم كقوائمك لتناثر ريش نفسه أدراج دعة وسكون منذ المقدمة...لا تطعمه، ألا ترى في الحدائق مكتوبا :"رجاء لا تطعموا الحيوانات" جمع حيوان كما قالت العنكبوت...طعامك مميت لصنفه، رغم طيبته ولذاذته المُقعِدة...فقط انظر إليه قبل أن يبسط تورد ريشه إلى أقصى حدوده ويحلق بعيدا، صافا ويقبض، إلى حيث صفصافات ثلاث صارت تتوسط حقلا مذ قسموه وتفرق أصحابه الذين لعبوا في البيادر، ثم لم يلبثوا أن انقضى اللعب... حول الحقل سور صبار ذي آذان كبيرة شائكة غير صاغية.

    الدوري لم يعد قلقا خائفا كما كان...مذ رأى النحام صابرا على جفوة الماء والسماء؛ والحفرة الشائكة أورقت، أوردت، كلما خطت حولها أمي رقية المائتة بعد أربع، خمس، ست أو ستين... مذ رأيتها آخر مرة، مطويا جذعها كالعادة نحو الأسفل كزاوية قائمة لكن راكعة...، لا تعُدَّ، لا تعُدْ، لا تَعِد أن تأكل حلواها في العام القابل...ولا تُعِد خلفها دندنة الطفلة العاقر الخائفة من كبير مات في زخة مطر بحزين خبر...

    بسط جناحه، النحام، على قبة عالية قالت له...دعك واقفا علي، لا أقشعر من انزلاق مخالبك الخفي على تقوس ظهري الأبيض النقي، لأن الأيدي لم تتمسح به بعد... التقِم حجرا مما قذفته السماء يوما، له ثقوب كانت تنظر إلى السماء، تنظر في السماء، لا تنظر إلا السماء، فجف ماؤها حين اختلطت بنبات الأرض مما يأكل الناس وعافته الأنعام العجفاء الصابرة... اجمع شموعا أتاني بها من كل خيمةِ ترابٍ مظلمة، عمائمُ بُنية البياض، سوداء البياض، غارقة في عرق الجبين...عمائم من عرق الجبين أرزت فوق أمهات رؤوس محترقة...ضاع بنوها، هجروها، تبكي دمعا يدور فيها، لا يبرحها، من سقف لبلاط ومن بلاط لسقف كساقية البرتقال غير البرتقالية...تلك الرحم المقفرة...

    دعه واقفا، لا يخشى سرعة الحافلة، حتى لو انكسر بابها أصلحه، إنه حداد، يلحم بلعابه ويديه فقط، حديد الأبواب العصية على الانغلاق والانفتاح...ثم المنكسرة...أين النحام الوردي؟ أين السنام الأبيض الرابض في حقل مَنْ؟....حقلُ من ذاك الذي شيدتم عليه المقبرة؟ حيث اسم لم أظنه يوما ينقش على رقيم رمس طويل صاحبه، لم أظنه يمضي...يقضي... كتلك الرسوم المتحركة الكاذبة التي لا تموت ولو ارتطمت بكل صلب، ولو سقطت من كل شاهق، ولو وجؤوها بكل ماض من سيوف الخشب الأمارة بالسوء. فاكسر سيفك، دق عنقه، اضرب به "الجبل الأخضر" البادي من بعيد ما دمت في بادية...اضربه في غير مقتل كي لا تقتله... كم رافق عينيك فوق الطريق "المنجورة" المنشورة... تحمل إليك ريحُها فيما تحمل أزيز الكهرباء الوليد حديثا، المار كبهلوان من مسقط رؤوس المياه إلى حيث تأخذ زمامَ البغلة... وبغير رخصة سياقة تأخذها إلى حيث هي تأخذك...ما يغني زمامك...هل تعرف أنت مكانك كما تعرف مكانها هي؟ هل تعرف مربضك...دعها تقودك، دعها تأخذك إليك... دع الكبير الذي مات في زخة مطرْ بحزين خبرْ،

    دعه يضحك قليلا مع من أركبهم لتوصلهمْ

    بدرهم وتَرَحّمْ

    على قوم جئت منهمْ

    لا يعرفونك ولا تعرفهم...دعه يضحك... إنه ومن أركب معه، قليلا من الحياة ما يضحكون، وقليلٌ ما يضحكهم...

     

    يتبع...