UA-85459660-1

Ok

En poursuivant votre navigation sur ce site, vous acceptez l'utilisation de cookies. Ces derniers assurent le bon fonctionnement de nos services. En savoir plus.

أرملة ابن تاشفين

 

 

 

DSC00372.JPG

 

أرملة ابن تاشفين

 

 

في زاوية مهملة من زوايا مدينته التي تشتعل نيرانا من حوله، يرقد رقدته الأبدية. ليس النيران المعروفة التي يُرى لهيبُها ويتيسر إخمادها وإعادة البناء بعدها، ولكن نيران شبكات تهريب العقارات والرياضات العتيقة، المفعمة بتاريخ وروح المدينة. فرغم بقائها الظاهر حيث هي داخل أسوار المدينة، فالاستعمار في صيغته الحريرية الحديثة صار يقضم – يقضم تقال لليابس - مستعمراته القديمة الغافلة المغفلة قضما لينا، ويُدخلها في زمانه... لم لا؟ والفرصة سانحة ونفس دواعي دخوله الأولى قد توافرت من جديد، فقر وجهل ومحميون مزدوجو الجنسيات أو ثلاثيوها ومؤامرة صمت محبوكة محيطة مستفيدة. ثم نار شبكات تهريب الأعراض والأخلاق التي يُجرمها القانون والقانون فقط، وكفى بسطور في الجريدة الرسمية واعظا وناهيا ...حتى صارت بعض المواقع الإلكترونية السياحية تعلن عن "تخفيضات جنسية" مهمة في عاصمة المرابطين والموحدين. ثم نار الشمس المحرقة على الإسفلت الذي تجري فوقه سيول الحديد النافث للأدخنة الملوثة، تنزع عن المدينة آخر مزاياها البيئية: مراكش شفاء للمصابين بالربو والحساسية...كانت!

من ينتبه له ولتاريخه المجيد؟ بل ربما من يعرفه أصلا؟ إنه رفات الآن...وليس كأي رفات!

في جمهوريات آسيا الوسطى، وفي عنفوان الستار الحديدي السوفييتي، كان المسلمون العجم هناك يأتون بأبنائهم الصغار إلى قبر الإمام البخاري، والإمام مسلم وغيرهم من علماء المسلمين، يرسخون فيهم أنهم سلالة هؤلاء القوم العظام، وكان ذلك نبعا كبيرا لصمودهم طيلة تلك السنوات القاسية المريرة. أما الأمير المنسي في زاوية من زوايا مدينته التي تستضيف مهرجانات العولمة التي تـُرصد لها الملايير، فلا من يقف قرب قبره ولو للترحم، سوى بعض السياح الأجانب الذين يأنفون أحيانا كثيرة حتى من دخول ضريحه المهمل، ليقولوا له ها نحن عدنا يا ابن تاشفين، كما فعلوا قرب قبر صلاح الدين، فقومنا بإهماله، قد كفوهم ذلك.

هل نحن معذورون؟

ألأن الأمير المرابطي رحمه الله، من فرط تواضعه كان قد أوصى أن لا يتميز مرقده عن قبور المسلمين، أخذنا نحن بفرط تمسكنا بعهده ووفائنا له، وصيته بالنص، تبعا للمقولة " أنا عبدك، آجي للسوق نبيعك"...!!!!

"أهذا مرقد مؤسس المدينة العالمية؟!"

هكذا يتساءل، في استغراب، من دخل من هؤلاء السياح، ليرى قبر يوسف بن تاشفين، "أمير المسلمين" كما تحكي كتب التاريخ، أنه سمى نفسه لئلا ينازع العباسيين في المشرق، رغم كونه اجتمعت له من مواصفات الخلافة ما لم يجتمع لمعاصريه منهم.

نعم هذا مرقد المؤسس للأسف...

قبة ضريح ببابها صندوق خُضار خشبي فارغ متآكل، عليه وسادة، تجلس عليها السيدة رشيدة هـ. المحافظة على الضريح فقط، وليس "محافظته" بمعناها التقني الأثري المتحفي وتوابعه من حقوق وواجبات. محافظة عليه من مزيد التلاشي ومزيد الإهمال، بحيث تبيضه من حين لآخر وتنظفه وتمتح إليه الماء وتستقبل زواره وتعرفهم بمن هو غني عن التعريف. في أعلى بابه كـُتب اسم الدفين العظيم، ولكن بخط متواضع جدا، رغم جُهد الخطاط - مشكورا -كي يعرف بهوية البناء. يلعب قرب السيدة عادة طفلها الصغير، تحرص عليه أن لا يتجاوز العتبة، لأنه قد تصدمه حافلة منطلقة من الموقف المحاذي للباب، والذي تنفث حافلاته الرائحة الغادية صباح مساء، دخانها على الواقفين من الناس المنتظرين، وعلى جدران الضريح، بل تقتحم على الراقد هناك من النافذة، وتعطر المكان وتبخره... ولكن ليس ببخور البان الفاخر.

سنام القبر مغطى بقماش مزركش، كتلك الأقمشة التي كان الطرقيون وأصحاب المواسم، أيام الصبا، يلفعون بها ناقتهم ويطوفون بها في الأزقة، يجمعون بها وبأسماء الصالحين، الأعطيات لمواسمهم التي صارت الآن أعيادا للشواذ وجمعيات لهم بقوة الواقع. قطعة قماش مزركشة، خشيت السيدة رشيدة  هـ، أن ترفعها كي ألتقط صورة للقبر دون ساتر، وعللت رفضها بأنه يتجاوزها ويدخل في "السياسة" (كذا)....هكذا يدخل الضريح السياسة ويخرج منها رهبة ورغبة.  

قرب القبر ساعة خشبية كبيرة وعتيقة، ذات رقاص، هناك واقفة ومتوقفة كتوقف زمان المدينة الحقيقي. وقفت أمامها السيدة كأنها أرملة الراقد هناك، رافعة يديها أمام المصورة تدعو الله وتسأله... للأمير؟ لنفسها؟ لابنها؟ لمراكش الأصيلة الرثة كرثاثة سجاد الضريح رغم المساحيق الحداثية؟

وقفت كأنها مراكش الحقيقية مشخصة في امرأة لم تفقد الأمل رغم ذلك، الأمل في أن ينال ضريح فقيدها بن تاشفين، ولو ربع الاهتمام الذي يناله ضريح المعتمد بن عباد في أغمات، والذي يبدو عليه أثر الإنعام والاحتفاء، بحيث أنه من حين لآخر يجتمع فيه جمع من الشعراء من المغرب والأندلس يبكون ويرثون شعرا، رفات الملك الأندلسي المنفي عن فردوسه الأرضي، وما في ذلك من ثلب ضمني للأمير الذي "ظلمه" ونفاه ثم نال جزاءه إهمالا ونسيانا.

القصة تصرمت عليها ألفية تقريبا، وقضى النافي والمنفي نحبهما، وقضت معهما مبرراتهما، فأدرِكُوا ضريح بن تاشفين واعتنوا به واحتفوا براقده، لأنه يوشك أن يقول "أدعياء الحقوق الثقافية الأمازيغية" أن الأمير ما أهمل، إلا لكونه أمازيغيا...وهو ما أهمل ربما إلا بسبب مجد لا نريد أن نتذكره، ونقارن قزامتنا أمام عظمته...

في إحدى فتوحات المسلمين في آسيا زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، جاء رجل يحكي له عن شهداء المسلمين هناك، وأخذ يسرد له أسماءهم حتى بلغ آخرين لا يعرفهم أحد فقال له " هؤلاء لا نعرفهم يا أمير المؤمنين" فقال له الفاروق:"الله عز وجل يعرفهم!"             

 

DSC00366.JPG

 

 

 

Commentaires

  • Bel hommage rendu à "Ibn Tachafin"!
    T'es très doué dans la description!!

  • la première fois que j'ai entedu parler de cet héros est à l'age de six ans car c'était le nom de ma chère école primaire eeeeeeeeeeeeeeeeeeeeeeeeeh ya zaman ça fait pleurer, ibn tachafin!!! le fondateur de la ville ocre quel hommage

  • Ptit petit, je t'aime beaucoup ...

  • الخيل والليل والبيداء تعرفني

Les commentaires sont fermés.